باب القناعة

السبت يناير 16, 2016 7:33 am

القناعة: هي الاكتفاء بما تندفع به الحاجة من مأكل وملبس وغيرهما، وهي ممدوحة ومطلوبة، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النحل: 97)، قال كثير من أهل التفسير: الحياة الطيبة في الدنيا: القناعة.

وعن جابر بن عبدالله قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (القناعة كنز لا يفنى) أخرجه البيهقي في الزهد وذكره المنذري في الترغيب وقال: رفعه غريب، لأنها تثمر سكون القلب لمرادات الرب، وتقطع عن الشواغل الدنيوية، وتحمل على علو الهمة.

وقال صلى الله عليه وسلم عليه: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) أخرجه مالك في الموطأ والترمذي، أي : مالا حاجة له به، وقال صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا) أخرجه البخاري ومسلم.

وثمرة القناعة في الدنيا السلامة من المطالبة بالحقوق وما يتبعها من التعب، وفي الآخرة السلامة من طول الحساب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أبا هريرة كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَأَقِلَّ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ) أخرجه البيهقي في الشعب بسند ضعيف.

جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر الشريف سبل الرشاد ديناً ودنيا، بأوجز عبارة، وألطف إشارة، فسبحان من خصه بجوامع الكلم.

وقال بشر الحافي: القناعة: ملك لا يسكن إلا في قلب مؤمن.

وقال أبوبكر المراغي: العاقل من دبر أمر الدنيا بالقناعة والتسويف، وأمر الآخرة بالحرص والتعجيل، وأمر الدين بالعلم والاجتهاد.

وقال أبو عبدالله بن خفيف: القناعة ترك التشوُّف إلى المفقود، والاستغناء بالموجود.

وقيل: وضع الله خمسة أشياء في خمسة مواضع: العز في الطاعة، والذل في المعصية، والهيبة في قيام الليل، والحكمة في البطن الخالي، والغنى في القناعة.

وقال إبراهيم المارستاني: انتقم من حرصك بالقناعة، كما تنتقم من عدوك بالقصاص.

وقال ذو النون المصري: من قنع استراح من أهل زمانه، واستطال على أقرانه.

وقيل لأبي يزيد: بم وصلت إلى ما وصلت؟ فقال: جمعت أسباب الدنيا فربطتها بحبل القناعة، ووضعتها في منجنيق الصدق، ورميت بها في بحر اليأس، فاسترحت من تعبها، ووصلت إلى ربي. أي: دام به شغلي دون غيره.

قال محمد بن فرحان بسامراء: كنت جالساً عند الجنيد أيام الموسم، وحوله جماعة كثيرون من العجم، فجاء إنسان بخمسمئة دينار ووضعها بين يديه، وقال: تفرقها على هؤلاء الفقراء، فقال: ألك غيرها؟ قال: نعم لي دنانير كثيرة، فقال: أتريد غير ما تملك؟ فقال: نعم. فقال له الجنيد: خذها فإنك أحوج إليها منا، ولم يقبلها.

-----------------------------------------------

* بتصرف - نقلا عن كتاب (الجد في السلوك إلى ملك الملوك) للشيخ أسعد محمد الصاغرجي.